فشل بثمن الذهب


    #تمهيد_فاشل

    حبل سميك، اسطوانة غاز، ومروحة سقف؛ ثلاثة أشياء تذكرني بخبر انتحار ذلك الرجل في الكنيسة المجاورة لمنزلنا. حينها كنت في الصف التاسع بالمدرسة؛ كنت أتساءل ما السبب الذي جعل ذلك الرجل يلعن الحياة التي كان عليها ويقرر الانتحار.
    ربما سئم الرجل من إخفاقات حققها في حياته وهو يبحث عن الراحة والسعادة. لا أستطيع أن أجزم أكثر من ذلك، سوى أن ذلك الرجل حقق عملية انتحار ( نـاجـحـة ) !

    في أحد الأيام، وأنا أقلب صفحات جريدة ما، لفتني إعلان وظائف شاغرة، كتب في نهاية الإعلان الرجاء إرسال المستندات المطلوبة مع السيرة الذاتية إلى البريد الإلكتروني الآتي. تذكرت حينها تلك السير الذاتية التي اطلعت عليها مؤخرًا لأناس حققوا الكثير في حياتهم العلمية والعملية، وبخط عريض كتب عليها " شارك في المؤتمر الدولي الذي أقيم في ... حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ... " هنا أدركت قيمة النجاح الذي يفتخر به كل من اجتهد و بذل و أنجز.

    و كما وصلني هذا الصباح. خبر وفاة أحد أساتذة الجامعة المعروفين والذي تشرفت بالدراسة على يده في إحدى المقررات، كان الخبر بمثابة التعزية والتعريف بما حققه رحمة الله عليه.

    #بداية_الفشل

    وفي هذا الصباح أيضا، وصلني خبر ظهور نتائج الفصل الصيفي؛ و بالرغم من أنني لم أكن مباليًا لأنني لم أدرس هذا الصيف، ولكني أعلم بعد ظهور نتائج أي فصل في المدرسة أو الجامعة أو حتى تقارير الأداء الوظيفي؛ أن بها سيفرح البعض ومنها سيحبط آخرون.

    وكما وصلتني هذه الرسالة من أحد الزملاء الأعزاء:
    "صباح الورد بحمدٍ من الله وتوفيق منه .. تمكنت أخيراً من النجاح في مادة كالكلس 2 بتقدير C- بعد ان حصلت على تقدير F أربع مرات !!
    اللهم لك الحمد والفضل .." .

    الكثير منا يمر بأزمات وعقبات تحول بينه وبين القمة أو تؤخر بلوغها؛ مما تجعله أمام أصعب الخيارات والقرارات الهامة في حياته.
    لن أطيل ضرب الأمثلة الفاشلة التي تبدو لك بعدم ارتباطها بالموضوع. اكتشفت مؤخرًا عدة طرق ووسائل يلجأ إليها معظم من أخفق وفشل وهي:

    أ- الإحباط والتذمر المستمر
    ب- التجاهل والتناسي
    ج- معاقبة وجلد الذات
    د- مكافأة الذات بأعمال أخرى ليثبت فيها نجاحه بعيدا عن الإخفاق الحالي

    #انتحار_ناجح

     في الحقيقة اللجوء إلى أحد الاستراتيجيات أعلاه واحد دون الآخر، هو مجرد مسكن مؤقت (إن صح التعبير) سيزول مفعوله سريعًا.
    فمن الطبيعي أن يصيبنا الإحباط فور تعثرنا، ونبدأ بالتذمر. وما إن تسوء حالتنا النفسية إلا ونبدأ بالتجاهل والتناسي أو مواصلة التذمر والقنوط دون عمل يذكر، أو حتى ملازمة فراش الغرفة طويلًا.

    لا ولربما لا نكتفي بالقنوط و إنما نبدأ بمعاقبة الذات وجلدها وكأنها هي من أرتكب الجريمة فقط!
    بينما قلة منهم يتذكرون كلام ذلك الرجل الذي يتظاهر دائما بالحكمة قبل أن يمضي : كافئ نفسك! ليبدأ المخفق بمكافأة نفسه و احترامها وعدم المساس بقدسيتها لأنها لم ترتكب شيئا قط بإرادتها.

    قد لا يعلم البعض بأن التخبط بين زوايا هذه الإستراتجيات هو انتحار بطيء دون حبل مشنقة. فاحتقار الذات و الانتقاص منها هو ما يدل على عدم التصالح والإستقرار الداخلي.

    #ما_الحل؟

    لا أخفي عليكم بأن مجتمعاتنا تنقصها ثقافة الفشل! بينما يكتفي البعض بسرد قصة أديسون مخترع المصباح.
    في الحقيقة ثقافة الفشل لا تعني تذكر قصة أديسون ومن هم أمثاله في كل يوم 3 مرات قبل الأكل أو بعده!
    نحتاج لنعترف بالفشل، بعد ذلك نواجهه.
    لا تخف لن أمضي قبل أن أخبرك كيف تواجه الفشل. عندما تخفق في شيء ما :

    1-    لابد لك أن تأخذ جرعة بسيطة من الإحباط ولكن احذر التذمر! كن قريبا من ذاتك ولا بأس بأن تبقى في غرفتك ولكن لفترة وجيزة فقط.

    2-     إذا كان ذلك الإخفاق متعلق باستهتار كبير منك، فعليك بتأنيب ذاتك بجلدها قليلا فقط دون الإستمرار في ذلك مطلقًا؛ وإلا لا تعاقبها إن لم يكن التقصير الأعظم منك.

    3-     كافئ نفسك لأنها دائما تستحق الأفضل، اسعَ لامتلاك الثمين فأنت تستحق.

    4-     لا تتجاهل إخفاقك ولكن حاول عدم التفكير فيه دائما، أشغل نفسك بأعمال أخرى حتى تستعيد عزيمتك ، ولتبدأ من جديد.

    **لابد من الدعاء والتوكل على الله.

    #فشل_بثمن_الذهب

    إلى الآن أعترف بأنني فشلت في ربط الأمثلة السابقة جميعها ولم أقدم لك ما هو يضاهي ثمن الذهب حقًا.

    قبل أسابيع عدة قمت بفتح حساب جديد خاص بي في " الإنستجرام " كتبت على صفحتي الشخصية "شاب حقق الكثير من الفشل" في الحقيقة لم أكن متذمرًا من الفشل والإخفاقات كما ظن معظمهم أو استثيرت لديهم شكوك بشأن شخصيتي الخاصة - وبعد طلب خاص من أحد الأعزاء قمت بتغيير النبذة - كل ما أردته هو إعادة تعريف شيء من الفشل والاعتراف به واعتباره إنجاز أو خبرة مهمة في حياة الفرد.

    إذن ، ماذا لو تضمنت سيرنا الذاتية التي نقدمها للالتحاق بالعمل على بند أساسي يعرف بإخفاقاتك وماهي الخبرة التي خرجت بها من هذا الفشل؟ تبدو فكرة جيدة بالنسبة لي؛ فكل إخفاق أو فشل هو خبرة أكثر عمقًا من النجاح نفسه.

    فكرة جديدة تبدو أكثر إثارة أتمنى تجربتها مع التلاميذ، الأبناء، الإخوان والزملاء. الفكرة عبارة عن هدية (ثمينة) تقدمها لكل من أخفق و أمام الجميع ( طابور المدرسة، اجتماع عائلي...) وتكتب بداخلها :

    [ لأنك فشلت أنت تستحق ]

    لا بأس بأن تضحك الآن، ولكن عد لإخباري بعد تجربتها.

    تصالح مع إخفاقاتك، فهي إنجازات ورصيد خبرة ثمينة لن تتكرر.

    ( شيء عظيم أن تغادر المكان وأنت قد تركت على طاولتك سيرة ذاتية سترفق مع النعي الخاص بك )


تعليقات

  1. يجب أن يكتب مقالك هذا بماء الذهب !

    ردحذف
  2. الظاهر عليك عندك خبرة مع الفشل ..تقدر تتعامل معه..

    ثمرة طيبة...

    ردحذف
  3. باهر جدًا يا أيوب

    أعودُ لمقالك لأقرأه المرة، والمرتين، ولا أملّ.

    فــ سبحان من ألهمك رُشدًا و صوابًا وقلمًا ذوّاقا.

    باركك الله.

    ردحذف
    الردود
    1. من رقي فكرك عبدالله .. سعيد جدا بقراءتك لما أكتب

      وفقك الله ^ــ^

      حذف
  4. أبدعت عزيزي

    ردحذف
  5. تعرف إني كنت أبحث عن هذا المقال ولي فترة ؟
    قرأته أول ما نزل ,واذكر اني ارسلته ف جروبات الواتس ، وبأمانة جاء بوقته ساعتها ، والحين صدفة حصلته،لو تعرف كيف فرحتي :) ، تم تفضيل مدونتك واعتبرني قارئة لما تكتب :)

    ردحذف
    الردود
    1. شكرًا لك، كلماتك أسعدتني :)

      عسى أن اكون عند حسن ظن الجميع ^ــ^

      حذف
  6. راقت لي فكرة سيرة ذاتية للفشل ..!

    كل التوفيق .

    ردحذف
    الردود
    1. شكرًا لتواجدك هنا سالمة :)

      أجمعين ^ـ^

      حذف
  7. أستمتعت بالقراءة ..
    شكراً جزيلاً 🌹

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سناب شات ما وراء الفكرة

أصدقائي المجاهيل

المدينة لم تستيقظ بعد!