بيانات ضخمة



في تدوينتي السابقة بعنوان " سناب شات ما وراء الفكرة " تحدثت فيها عن قوة السناب شات في نقل اللحظات ومشاركتها. وأستطيع أن أجزم بأنه لا يوجد أي تطبيق ينقل اللحظات بتفاصيلها أقوى من سناب شات.

وفي زمن أصبحت فيه التكنولوجيا تسابق الوقت أكثر من أي شيء آخر؛ ليس حرجا فيه أن يشعرك هذا التقدم الهائل بالخوف والقلق تجاه خصوصيتك، أسلوب حياتك وصحتك كذلك. حيث أن هذه التكنولوجيا أصبحت تنتج معلومات وبيانات ضخمة في كل جزء من الثانية فهي أشبه بالإنشطار النووي للذرة (أووووه وأنا أكتب تذكرت الفيزياء) لحظة لحظة! تذكرت المدرسة والجامعة بالرياضيات والكيمياء والأحياء أيضا. وأنت كذلك لا تقلق - إن كنت قد ذكرتك بالمدرسة - ربما هذه العلوم لن تكون هي أكثر شيء قد يخيف أبنائك في مدارسهم أكثر من العلوم الحديثة التي (نأمل) أن يتم استحداثها، كعلوم إدارة المعلومات والبيانات الضخمة وتحليلها.

ملاحظة : قد تشعرك هذه التدوينة بالتيه والدوران وذلك لأنني لم استطع التعامل مع البيانات الضخمة التي أود كتابتها؛ لذا توقف عن القراءة عندما تشعر بذلك. أما أنا فاتركني أسرد أحداث ومعلومات غير مرتبة.

في النصف الأخير من أبريل الماضي لا أذكر بأنني قد نشرت خبرا عن زيارتنا المتوقعة إلى أكسفورد؛ فهي ليست من عاداتي - كما أعتقد - بأن أتحدث عن ما سأقوم به في المستقبل. وفي الوقت نفسه أذكر تماما بأني لم أقم بنشر خبر عدم ذهابي مع الفريق إلى أكسفورد (مادام هنالك آخرين يختارون ويقررون بالنيابة عننا). في حين لم أشعر بأن شيئا ما قد فاتني فقد تابعت تفاصيل الرحلة ومجرياتها من خلال قصص أصدقائي في سناب شات.

عندما سافر الفريق وفي صباح اليوم الأول لم يكن الأمر غريبا حينما تواصل معي أحد الأصدقاء الذين كانوا يعرفون بمشاركتي للفريق في زيارتهم إلى أكسفورد يقول لي : ما هو جدولك لهذا اليوم؟ هل بإمكاننا أن نلتقي مساءا؟

توقعت حينها بأنه لم يشاهد صورتي في سنابات الأصدقاء في المطار، كما أنه شاهد قصة سنابي الصباحية في مسقط، وهذا فعلا ما أخبرني به لاحقا.

لم يتوقف الأمر إلى هذا الحد، ففي ذلك الأسبوع وحتى اليوم - شهر يوليو- وأنا استقبل عشرات من الاسئلة " ليش ما سافرت مع الشباب أكسفورد ؟ " هههههههه الأمر ليس مزعجا بالنسبة إلي، ولكنه مدهش؛ فكيف عرف هؤلاء الناس هذه المعلومة في حين أنني لم أتحدث عنها معهم إطلاقا.

لنعد قليلا إلى الوراء ، كيف عرف الأصدقاء والزملاء والجيران وغيرهم خبر عدم مشاركتي في الرحلة؟

إن هذه الرحلة هي جائزة لفريقنا الفائز في ملتقى بمنطقة الدقم الإقتصادية. وبعد إنتشار خبر الفوز عرف الناس من هم أعضاء الفريق الفائز وعن رحلتهم المتوقعة، وأصبحوا يربطون ويترقبون ماذا سوف يحدث في المستقبل.

دعني أخبرك أيضا ماذا يمكنك أن تعلمه عن أصدقائك بواسطة سناب شات . .

أثناء زيارتنا لأحد المعارض الكبيرة بميدنة دبي، شاهدنا قصص أحد الرياديين في سناب شات من المملكة العربية السعودية بأنه متواجد أيضا في المعرض نفسه. كان المعرض مزدحم بآلاف الزوار في تلك اللحظة. قررنا زميلي وأنا أن نخوض تحد في البحث عن هذا الريادي من خلال ما ينشره في سناب شات. تفرقنا واستغرق البحث منا أكثر من 20 دقيقة. في كل مرة نشاهد قصصه ثم نذهب إلى نفس الأركان أو الشركات التي يزورها. ولكن لسوء الحظ لم نعثر عليه لسبب واحد ربما هو أنه لم نكن نملك شبكة إنترنت لفتح سناب شات بشكل مستمر ولحظي وإنما كان يتطلب منا الخروج إلى منطقة الاستقبال  في المعرض لأكثر من 5 مرات حيث توافر الـ  Wi-Fi . أو ربما هو كذلك يتأخر في مشاركة القصص بسبب عدم التوفر شبكة الإنترنت لديه. ولكننا متأكدين بأنه في المعرض فعلا خلال فترة التحدي حسب إفادة زميله هناك.

إلتحق أخي بوظيفة للعمل في إحدى الجهات، واعتاد أن لا يستخدم الانترنت خلال فترة تواجده هناك والتي قد تستمر لعدة أسابيع أحيانا. وفي نهاية كل أسبوع استطيع أن أعرف هل عاد أخي إلى المنزل أم لا دون أن أكلف نفسي بسؤاله، وإنما من خلال من قائمة المشاهدين لقصص سنابي في ذلك اليوم.

وأنت أيضا كم مرة تأخرت فيها عن مواعيد أصدقائك، وعرفوا عن أسباب ذلك من خلال القصص التي تشاركها في سناب شات؟

إذا كان مديرك يتابعك في سناب شات، انتبه من كل مشاركة تقوم بها خلال تواجدك في المكتب أو أثناء غيابك في ساعات العمل ههههههههه.

يكفينا الحديث عن سناب شات (أشعر بانني قد روجت له بما يكفي، دون مقابل).

يتحدث العالم اليوم عن المستقبل ومصطلحات كـ : انترنت الاشياء، الطابعات الثلاثية، البيانات الضخمة، الطاقة المتجددة، والسيارات ذاتية القيادة. حيث يشهد العالم اليوم تطورا مهيبا قد لا تلحقه مشاريع التحول الذكي للحكومات إطلاقا. حيث أننا نستخدم كل يوم عشرات إن لم تكن مئات من التطبيقات الذكية في حياتنا اليومية التي تقوم بجمع بيانات دقيقة عنا بكافة تفاصيل لحظاتنا.

فمثلا تقوم ساعتي الرياضية من نوع fitbit بتسجيل معدلات نبضات قلبي خلال اليوم بأكمله وتحسب السعرات الحرارية التي قمت بحرقها خلال أنشطة اليوم، وكم عدد المسافات التي قطعتها وأوقات النشاط البدني. وقبل ذلك قمت بإدخال بياناتي الشخصية الأساسية كالاسم، الجنس، العمر، الطول، والوزن. تستطيع هذه الساعة معرفة جميع نشاطاتي الرياضية تلقائيا كالمشي، الجري، أو ركوب الدراجة الهوائية. تخيل معي! فهي تستطيع تحديد اللحظات التي أنام وأستيقظ فيها، لتقوم بتحليل جودة النوم لكل يوم وبكل دقة. وغيرها من المميزات المخيفة، فهي تقوم بتدوين تاريخ طويل ومفصل عني كالأماكن والمسارات التي أذهب إليها، ناهيك عن أنها قد تحدد مكان نومي في كل ليلة بواسطة خدمات الـ GPS .

واجهة تحليل الأداء الرياضي لساعة fitbit
إن البيانات التي تجمعها الشركات من خلال هذه الأجهزة والأكسسوارات المتصلة بالانترنت تساعدها كثيرا على التطوير والابتكار فإمكانها مثلا معرفة كم شخص سمين يرتدي ساعاتها، وأين يتجمعون، وما هي صفاتهم ... إلخ. وهذه الساعة قد لا تختلف كثيرا عن تطبيق runkeeper الرياضي الذي استخدمه لتحليل أنشطتي الرياضية كالمشي، الجري، وركوب الدراجة الهوائية. فقد حدث كثيرا أن يخبرني أصدقائي عن الأماكن التي أمارس الرياضة فيها "يوم الأحد أنت ركضت 5 كيلومتر في الموالح لمدة 40 دقيقة، وعرفت وين تسكنوا وفلان يسكن معك" كما أنه يوفر خاصية التتبع المباشر والتي تسمح لأصدقائك أن يتابعوا مباشرة أدائك الرياضي ومسارك في نفس اللحظة.


الأداء الرياضي في تطبيق runkeeper
اليوم لم نعد بحاجة إلى سؤال الأصدقاء في الواتساب عن وجود الزحمة من عدمها في طريق ما قبل أن نخرج من مكاتبنا؛ فخرائط جوجل مثلا توفر لك إمكانية معرفة إنسايبية الطرق. كيف ذلك؟ في حقيقة الأمر لم أبحث عن هذه التقنية بعد، ولكني أعتقد بأنه هنالك عدد كبير من الأجهزة في الشارع متصلة بالـ GPS ومن خلال تحليل سرعتها وتركزها في الشوارع تستطيع جوجل معرفة أماكن الزحام.

خلال سنوات قليلة مقبلة ستصبح أغلب أجهزتنا متصلة بالانترنت وهذا ما يسمى بإنترنت الأشياء. ستستطيع هذه الأجهزة تحديد احتياجاتنا وتلبيتها في نفس الوقت. على سبيل المثال ستعمل المبخرة بشكل آلي لتبخر ملابسك طالما أنها عرفت من خلال مراسلاتك مع أصدقائك بأنك سوف تغادر المنزل في الساعة الثامنة مساءا.

قد تظن بأن كل هذا ترف أليس كذلك؟ قد اختلف معك قليلا. العالم يسير بهذا الاتجاه وعلينا أن لا نعيق تقدمه بالبقاء في أماكننا، هذا إن لم نسير في الاتجاه المعاكس ربما. أتمنى بأن لا تنتشر المقالات والكتب ومقاطع الفيديو التي يقوم بها العرب في أغلب الأحيان بالحديث فيها عن مخاطر فقدان الخصوصية وتسريب البيانات الخاصة والتحريض بالتوقف عن استخدامها. علينا أن نفهم جيدا ما نقوم بمشاركته وما نسمح له بذلك.

فمثلا في تطبيقات الرياضية مثل runkeeper لا تقم بتشغيلها فور خروجك من منزلك مباشرة لكي لا تستطيع تحديد مكان إقامتك، بل انتظر حتى تصل إلى مكان التدريب أو منطقة أخرى تبدأ فيها بممارسة الرياضة. وكذلك بالنسبة للساعة مثلا فأنا لا أقوم بتوصيلها بالهاتف دائما كي لا تحدد تحركاتي ومكان نومي في كل ليلة، بمعنى آخر لا أسمح لها بالوصول إلى الـ GPS إلا في بعض النشاطات. وقس عليها في جميع الوسائل التي نشارك فيها بيانات ومعلومات شخصية عنا. فتحذر من أن تكتب بأنك ذاهب لاختبار وظيفة ما، أو أنك قد تقدمت للخطبة مثلا. أي لا تقوم بالحديث عن أشياء تود فعلها في المستقبل.

ههههههه أجزم بأن الأجهزة الأمنية أصبح عملها أسهل بكثير من ذي قبل. فمثلا بإمكان أي شخص ما أن يحدد هويتك وشكلك من خلال التطبيقات التي تستخدمها فمثلا من خلال الفيس بوك سيعرف تاريخ ميلادك ووتخصص الدراسي ومكان عملك ومن هم أفراد عائلتك، ومن خلال السناب شات سيتعرف على صوتك وصورتك، ومن خلال الانستجرام على شكل يديك وأطفالك ومن خلال تويترعن الأماكن التي ستزورها في الأسبوع المقبل ومن هم أصدقائك، ومن سوارم عن الأماكن المفضلة لديك، ومن التطبيقات الرياضية \ الصحية عن وزنك وطولك وساعات نومك وأماكن إقامتك وعن أكلك المفضل وتاريخ أمراضك ومن جود ريدز عن كتبك المفضلة وإهتماماتك وطريقة تفكيرك، ومن أمازون عن منتجاتك المفضلة، ومن اليوتيوب عن إهتماماتك . . . سأتوقف هنا أخاف عليك من أن تقوم بهجرتها الآن ههههه.

نصيحة : لا تقم بعملية البحث والاستخبارات هذه عندما تريد التعرف على شريكة حياتك المستقبلية، سترهق نفسك لأنك غير مؤهل لتحليل ذلك. دع هذا الأمر يسير بالطريقة التقليدية واستمتع :)


إذن كيف يمكننا أن نستفيد من هذه البيانات؟

دعني أخبرك، في الوقت الحالي يجتهد الأشخاص الذين يعملون في مجال الإحصاء في الحصول على البيانات والمعلومات بوسائل مكلفة كالإستبانات، الاتصالات الهاتفية، المقابلات المباشرة، وغيرها. كما يبذل رجال الأعمال جهدهم في عمل دراسات جدوى لمشاريعهم بمعطيات ومعلومات تكاد أن تكون شحيحة أو غير دقيقة وبأدوات تقليدية. ولكن في المستبقل ستكون البيانات الخام منظمة ومتزامنة مع بعضها البعض لتصبح قابلة للاستخدام والتحليل. فمثلا تخيل معي بأنك تود أن تفتح معصرة للعصائر الطازجة على شاطيء السيب، وتريد أن تعرف حجم تجمع المرتادين هناك، وماهي خصائصهم الديموغرافية، كالجنس والعمر ومستوى الدخل. ستستطيع من خلال هذه البيانات المجمعة والمتكاملة أن تتعرف على ذلك خلال لحظات فقط دون الحاجة إلى زيارة المكان فعليا والبحث الميداني فيه. ليس ذلك فحسب؛ فإنك ستسطيع معرفة ماهي مشروباتهم المفضلة وكم حاجتهم منها خلال تواجدهم هناك لمختلف أسبابهم الرياضية والترفيهية. وبهذا تكون قد عملت دراسة حاجة السوق لمشروعك.

لا داعي للإنتظار حتى يأتي المستقبل، يمكنك أن تبدأ الآن. فمثلا إذا كنت تملك متجرصغير للهدايا على الانستجرام، فيمكنك أن تحصل على تفاصيل إضافية عن زبائنك من خلال البحث عنهم في بقية وسائل وشبكات التواصل الإجتماعي، مثلا يمكن أن تعرف عن ذكرى ميلاد زبونك لتقدم له هدية ما في مكان عمله.

أما مستقبل عمل الإحصائيين فإنه سيتغير كثيرا، فسيصبح التعداد أسهل بكثير من ذي قبل، ومسوحاتهم ستتم من خلف الشاشات والخوادم فقط.

المستقبل سيكون في نصيب من يعمل على تجميع \ تكامل هذه البيانات من مختلف مصادرها ومماثلتها وتحليلها وبيعها للشركات والحكومات وأصحاب القرار. فقد بدأت مؤخرا تظهر شركات عالمية في مجال تحليل أداء شبكات التواصل الإجتماعي كـ Buffer مثلا. إن استطاعت هذه الشركات الإنتقال إلى مرحلة تكامل البيانات ومزامنتها فإنها ستتربع على عرش شركات شبكات التواصل الإجتماعي بكل جدارة. وأحد المواقع الإلكترونية التي تعمل جمع البيانات وانترنت الأشياء هو موقع IFTTT

اليوم أصبحت الشركات العملاقة تستحوذ على مشاريع وشبكات بأرقام ضخمة، فقط لأنها تحتوى على بيانات ضخمة قد تساعدها في تحسين خدماتها وتقديم منتجات ترضي تطلعات العملاء في سوق سريع التطور، ولكم  في قصة استحواذ لينكد-إن مثال على ذلك.

أخيرا، لا تفكر في اختراع الفيس بوك القادم، ولا ترهق نفسك بالإبتعاد عن كل الشبكات لتحمي خصوصيتك، بل فكر كيف تستفيد من البيانات المتوفرة، وشارك معلوماتك بوعي ولا تتجاهل قراءة سياسات الاستخدام لكل تطبيق.

هل فكرت في ذلك من قبل؟ شاركني رأيك يا صديقي :) 

أيوب الشعيلي
ayoub.shaaili@gmail.com

تعليقات

  1. طرح رائع 👌
    ملاحظاتك رائعة واستطعت أن تربط بينها بشكل جميل
    موضوعك ذكرني ببرنامج لحظة الذي يقدمة الأستاذ ياسر حارب وكانت الحلقة الأولى تتحدث عن نفس الموضوع الذي تحدثت عنه وهو البيانات الضخمة

    استمر أيوب،، مواضيعك رائعة دائماً ومستجدة

    ردحذف
    الردود
    1. مرحبا آلاء

      شكرا لتواجدك هنا للقراءة والتعليق.

      وفعلا عرفت عن الحلقة بعد ما كتبت الموضوع هههه

      أمنياتي لك بالتوفيق

      حذف
  2. طرح رائع 👌
    ملاحظاتك رائعة واستطعت أن تربط بينها بشكل جميل
    موضوعك ذكرني ببرنامج لحظة الذي يقدمة الأستاذ ياسر حارب وكانت الحلقة الأولى تتحدث عن نفس الموضوع الذي تحدثت عنه وهو البيانات الضخمة

    استمر أيوب،، مواضيعك رائعة دائماً ومستجدة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سناب شات ما وراء الفكرة

أصدقائي المجاهيل

المدينة لم تستيقظ بعد!